العودة الى الجذور
-
1 / 15
مع 86، أعادت تويوتا الى الأذهان سيارات الكوبيه الرياضية القديمة ولكن عبر سيارة تقوم على تقنيات اليوم المتواضعة. أما النتيجة، فسيارة قادرة على توفير متعة قيادة عالية
تقف تويوتا 86 خلف مبدأ قديم غاب منذ فترة عن عالم صناعة السيارات. مبدأ يقضي بأن تعتمد السيارة الرياضية على تصميم يجمع بين شكل الكوبيه والهاتشباك على أن يخفي خلفه محركاً بسحب عادي يأخذ لنفسه مكاناً في المقدمة على أن ينقل ما ينتج من حركة بداخلة بإتجاه العجلتين الخلفيتين، أي سيارة تقوم على المبادئ القديمة للسيارات الرياضية التي كانت حينها لا تكتفي بتأدية جيدة وبإمكانيات تعديل وتزويد وحسب، بل كانت تركز كثيراً على توفير مستويات متقدمة من متعة القيادة، خصوصاً أن هذا النوع من السيارات كان قادراً على جعل السائق ينغمس في عملية القيادة في ظل بعده عن الأجهزة الإلكترونية المساعدة في زيادة التماسك والثبات والتي لم تكن موجودة يومها.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
ومن هنا، هدفت تويوتا الى توفير سيارة رياضية «نقية» تتم قيادتها بالإعتماد على غريزة السائق وما يشعر به خلف المقود ومن دون التركيز على الأرقام الخاصة بتوقيت اللفات على الحلبات وما يمكن للسيارة أن تنتجه من مستويات تماسك أفقي وقوى جاذبية عرضية وغيرها من التعابير التقنية التي باتت تتباهى بها سيارات العصر الحديث، أي سيارة قادرة على جعل السائق ينغمس كلياً في عملية القيادة ولدرجة يتحول معها الى جزء أساسي من عملية القيادة، سواء كانت هذه الأخيرة هادئة، حذرة، رياضية أو هجومية وهذا هو بالضبط ما كان ينفرد به طراز AE86 الذي تم تقديمه عام 1983 والذي تلاه عدد من السيارات التي تضع السائق على رأس لائحة الأولويات شأن كل من 800 و2000GT وسيليكا وMR2 وسوبرا.
ولسيارتها هذه التي كان من الضروري أن تندفع بمحرك مثبت في المقدمة شريطة أن لا يعتمد على أي أنظمة تلقيم إضافية وأن ينقل قواه الى العجلتين الخلفيتين، قررت تويوتا أن تستعين بخبرات خارجية وليقع خيارها على مواطنتها سوبارو التي تتميز سياراتها بإعتمادها على محركات بوكسر، أي تلك التي تعتمد مبدأ الأسطوانات المنبطحة والمتضادة التي تتحرك فيها المكابس بشكل أفقي وبإتجاهين متعاكسين. أما مزايا هذا النوع من المحركات، فهو عديد إذ أنه يسمح للمهندسين أن يصنعوا محركات ذات إرتفاع متدني وهذا ما يمكن الصانعين من تثبيت هذه المحركات في وضعية منخفضة على قاعدة السيارة التي يمكن حينها أن تكون ذات إرتفاع إجمالي متدني وهذا ما يمكن السيارة بالتالي من التحلي بمركزي ثقل وجاذبية منخفضين، مما يعني أن القوى التي تتعرض لها السيارات المزودة بمحركات بوكسر تتحرك في مستويات أفقية أكثر إنخفاضاً وهذا ما ينعكس بالإيجاب على عمليتي التماسك والثبات، سواء كانت القيادة على الطرقات المستقيمة أو تلك المتعرجة. وفي هذا السياق، عززت تويوتا عملية التماسك من خلال طريقتها المتطورة في توزيع مكونات السيارة على قاعدتها ولتقوم بتثبيت المحرك الذي ربطت علبة التروس الى جهته الخلفية في المقدمة ولكن بعد إرجاعه الى أقصى الخلف وليساهم ذلك في تحقيق توزيع شبه مثالي للوزن بين الأمام والخلف حيث وصلت نسبة الوزن الأمامي الى 53 بالمئة يقابلها 47 بالمئة في الخلف.
ولتعزيز توزيع الوزن، زودت 86 بمقدمة طويلة نسبياً تم على أثرها دفع مقصورة الركاب الى الخلف وبحيث باتت وضعية جلوس السائق والراكب بجانبه في منتصف السيارة تقريباً والتي تقول تويوتا أنها من فئة كوبيه 2+2 مع العلم أن المقعد الخلفي صغير ولا يستوعب إلا راكبين من أصحاب القامات القصيرة والأحجام الصغيرة. ولكن في مواجهة المقعد الخلفي، تتمتع 86 بصندوق أمتعة ذو حجم كبير مقارنة بحجم السيارة الإجمالي وهو أمر ركزت عليه تويوتا، خصوصاً أنها أرادت من 86 أن تكون سيارة للإستعمالات اليومية وللسفر لقضاء العطلات القصيرة التي لن يعكر صفوها شئ بإستثناء المقعد الخلفي الصغير. ومع ذلك، لا يمكن للمرء أن ينتقد ذلك لأن هذه السيارة كوبيه ورياضية وتتوجه الى السائق وتركز بالدرجة الأولى على متعة القيادة.
وهنا، وفرت تويوتا لسيارتها هذه محركاً واحداً ينتمي الى نادي محركات بوكسر ويتألف من 4 أسطوانات منبطحة ومتضادة بسعة ليترين. وقد تم تزويد هذا المحرك بجهاز بخاخ مباشر طراز D-4S مع عواميد كامة علوية مزدوجة و4 صمامات لكل أسطوانة، ولينتج عن إحتراق الوقود في هذا المحرك قوة 197 حصاناً تتوفر عند 7000 دورة في الدقيقة وتترافق مع 205 نيوتن متر من عزم الدوران الذي يمكن إستخراجه بالكامل عند إيصال المحرك الى 6600 دورة في الدقيقة. وعلى الرغم من أن هذا المحرك يتطلب من السائق الإبقاء على مستويات دوران مرتفعة قريبة من 7000 دورة في الدقيقة لإستخراج كامل طاقاته، إلا أنه يتميز بليونة عالية تمكنه من توفير مستويات إستجابة دائمة.
ولأن هذه السيارة موجهة لمن يريد التمتع بالقيادة وعلى الرغم من توفرها بعلبة تروس أوتوماتيكية، إلا أننا قمنا بتجربة الفئة المزودة بعلبة التروس اليدوية السداسية النسب التي تعمل على نقل طاقات المحرك بإتجاه عجلتي المحور الخلفي الدافعتين اللتين تم تلبيسهما في سيار التجربة التي تنتمي الى طرازات القاعدة، بإطارات من يوكوهاما بقياس 205/55R16 واللتين يربط بينهما ترس تفاضلي متطور طراز تورجن بقدرة إنزلاق محدودة تساهم بدورها في تمكين 86 من الإنطلاق من الصفر الى سرعة 100 كلم/س في 7,8 ثانية ولتصل بعدها الى سرعتها القصوى البالغة 230 كلم/س.
أول ما سيلاحظه المرء عند دخوله الى مقصورة 86 هو أن هذه السيارة تتوجه الى السائق. ففي المقصورة، هناك مقعدين أماميين من فئة الباكيت الرياضي الذي يوفر مستويات تثبيت عالية للأجسام بفضل الحواف النافرة في منطقتي الجلوس وأسفل ووسط الظهر. وينفرد هذان المقعدان بوضعية جلوس منخفضة جداً تشعر السائق أنه قريب من الأرض وهذا أمر حيوي لعدد كبير جداً من السائقين الرياضيين المتطلبين كونه يوفر لهم نوعاً من «الشعور» بالطريق. كذلك، تتميز وضعية القيادة بعملانيتها إذ يمكن تحريك مقعد السائق أفقياً وعمودياً وذلك على غرار المقود الذي تمنينا لو كان مجال تحركه الأفقي أطول بقليل.
وأمام السائق، يبرز تجويف العدادات الذي يحتوي على ثلاثة عدادات خصص الوسطي منها للإشارة الى دوران المحرك والأيسر لسرعة السيارة. أما العداد الأيمن، فيحتوي على عدادين صغيرين للإشارة الى درجة حرارة المحرك ومستوى الوقود المتبقي في الخزان. ومن ناحية أخرى، جرى وضع النظام الموسيقي في أعلى الكونسول الوسطي مباشرة تحت مخارج هواء المكيف، في وقت تم إستعمال الكونسول الوسطي لوضع مجموعة من مفاتيح التشغيل التي تشكل مفاتيح جهاز التكييف الدائرية التقليدية أبرزها. وعلى الرغم من الطابع الرياضي البحت لـ 86 وبعدها الشديد عن إلكترونيات اليوم والغد، إلا أن مقصورتها تركز على الرحابة العالية في الأمام وتعتمد على مواد ذات نوعية معتدلة مع مساحات زجاجية توفر مجالات رؤية أكثر من مقبولة.
بعد جلوسي خلف مقود 86 وتشغيل المحرك الذي بدا هادئاً، رفعت الضغط على دواسة التسارع ولأتفاجأ بغياب الهدير الرياضي. ومع إنطلاقي، لاحظت أن الرفاريف الأمامية ترتفع فوق الإطارين الأماميين وهذا ما مكنني من معرفة المكان الذي تتواجد فيه إطارات السيارة الأمامية بدقة بالغة. ومع متابعتي، بدأت برفع الضغط على دواسة التسارع وشعرت أن طريقة وصول القوة والعزم من المحرك الى الطريق سلسة وتدريجية ومستمرة وهذا ما دعاني الى التحول الى القيادة الرياضية حيث أبقيت على دوران المحرك في حدود 7000 دورة في الدقيقة عبر خفض نسب علبة التروس بشكل مستمر لإستخراج كامل القوة والعزم ولكنني لم أتوقف عن التمني لو كان المحرك قادراً على توفير المزيد من القوة. وهنا، لا بد من الإشارة الى أن قيادة 86 لبعض الوقت ستمكنك من فهم ما تريده تويوتا من سيارتها هذه. فعلى الرغم من المساعدة الكهربائية لجهاز المقود، إلا أن وضع المقدمة في المكان الذي تريده سهل للغاية وذلك بفضل مركزي الثقل والجاذبية المنخفضين اللذين يعززان الشعور بمدى التوازن الذي تتحلى به هذه السيارة. وهنا يكفي أن تقوم بنقل الوزن بين جهتي السيارة اليمنى واليسرى بعكس إتجاه المنعطف وقبل الإلتفاف بالإتجاه الصحيح، حتى تبدأ 86 بالإنزلاق الذي يمكنك أن تتحكم بالقسم الخلفي منه عبر مدى الضغط الذي تمارسه قدمك اليمنى على دواسة التسارع، في وقت تشعرك 86 وعلى الدوام أن هناك ميل لإنزلاق مقدمتها ولكن السيطرة عليها سهلة، خصوصاً أن الشعور بالطريق الذي ينقله المقود الى يديك سريع وواضح لدرجة تمكنك من معرفة ما الذي يتعرض له الإطارين الأماميين ومدى تماسكهما في أي لحظة.
وبكلمات أخرى: ما تشعر به خلف مقود 86 ممتع. فهذه السيارة قادرة على إشعارك بأنك صاحب القرار المطلق وتمكنك في الوقت نفسه من إستخراج الشاب المراهق المدفون في داخلك وتوفر لك شعوراً من الرضى ينعكس على شكل إبتسامة عريضة ترتسم على وجهك. وفي الحقيقة، ذكرتني 86 بسيارتي الأخرى القديمة التي لا أزال أحتفظ بها وهي مازدا MX-5 وجعلتني أشعر أنها عبارة عن MX-5 ولكن مع سقف معدني يرفع تماسك الهيكل مع بعضه البعض.
ولكن ماذا عن القيادة العادية التي تشكل أكثر من 80 بالمئة من القيادة اليومية التي يمارسها الجميع؟
في الواقع وفي حالات الإستعمال العادية لـ 86، أي عندما يكون جهازا التحكم بالتماسك والتوازن في حالة عمل، تتصرف 86 كأي سيارة رياضية أخرى تندفع بعجلتيها الخلفيتين إذ ما أن تتعرض لأي إنزلاق حتى يتدخل الجهازان المذكوران لقطع إمداد القوة وممارسة الكبح لإعادة السيارة الى مسارها الصحيح. أما عند إيقاف هذين الجهازين جزئياً، فتمكنك 86 من التلاعب بها في المنعطفات لغاية وصولها الى حدود الإنزلاق القصوى وذلك عبر تأخير تدخل جهازي التحكم بالتماسك والتوازن. أما عند قيادتها بطريقة عادية، فستلاحظ أن تعليقها مرن ويمكنها من إبعاد إرتجاجات الطريق عن المقصورة التي توفر جواً يقوم على مزيج من الراحة والقساوة النسبية، في وقت يبدو العزل الصوتي معتدلاً.
وعلى الرغم من ذلك، تشعرك 86 على الدوام أنك تريد أن تتحول الى القيادة الرياضية ولكنك ستتمنى دوماً لو كانت أقوى وهذا ما يؤدي بي الى الإعتقاد أن هذه السيارة ستخلق سوق تعديل وتزويد كبيرة، خصوصاً أن تويوتا لا تزال تصر على أنها لن توفر 86 بفئة مجهزة بتوربو أو بدفع رباعي مع العلم أن كل ما في السيارة يؤكد أنها قادرة على إستضافة التلقيم الإضافي والدفع الرباعي.
أخيراً وعلى الرغم من أن إنتقاداتي الوحيدة لـ 86 تتمثل بالحاجة الى مزيد من القوة والهدير الرياضي وهذا ما يريده السائقون الرياضيون، إلا أنه لا يمكنني أن أنكر أن 86 تعتبر واحدة من السيارات القليلة التي يمكنها أن تولد هذا القدر من متعة القيادة. فهي تنفرد بتصميم مميز وبمقصورة رياضية مع تأدية أكثر من معتدلة وتماسك جيد وهذا لا يجعلها رياضيةً وحسب، بل يساهم في قدرتها على أن تكون سيارتك المخصصة للإنتقالات اليومية ولكن شرط أن تنتقل بها بصحبة مرافق واحد لأن مقعدها الخلفي لن يستوعب البالغين.
«هدفت تويوتا الى توفير سيارة رياضية «نقية» تتم قيادتها بالإعتماد على غريزة السائق وما يشعر به خلف المقود ومن دون التركيز على الأرقام التي تتباهى بها سيارات العصر الحديث»
«أنت ملزم بالإبقاء على مستويات دوران مرتفعة قريبة من 7000 دورة في الدقيقة لإستخراج كامل طاقات المحرك الذي يتميز بليونة عالية تمكنه من توفير مستويات إستجابة دائمة»
«لتعزيز توزيع الوزن، زودت 86 بمقدمة طويلة تم معها دفع مقصورة الركاب الى الخلف وبحيث باتت وضعية جلوس السائق والراكب بجانبه في منتصف السيارة تقريباً»
«86 قادرة على إشعارك بأنك صاحب القرار المطلق وتمكنك من إستخراج المراهق المدفون في داخلك وتوفر لك شعوراً من الرضى ينعكس على شكل إبتسامة عريضة ترتسم على وجهك»
المواصفات
تويوتا 86
الأرقام
1998 سم3 ـ 4 أسطوانات متتالية ـ دفع خلفي
197 حصان عند 7000 دورة في الدقيقة
205 نيوتن متر عند 6600 دورة في الدقيقة
من صفر الى 100 كلم/س: 7,6 ثانية
السرعة القصوى: 230 كلم/س، الوزن: 1670 كلغ
الإستهلاك: 10,4 ليتر لكل 100 كلم
الطول: 424 سم، العرض: 177,5 سم، الإرتفاع: 142,5 سم