تاريخ وقصة اختراع السيارة الأولى في العالم
تاريخ السيارة طويل ومتعرج، ومعرفة من اخترع السيارة ليس بالأمر السهل، فلا توجد إجابة واضحة عن البدايات الأولى للسيارات، فتاريخ السيارة غني جداً، ويعود إلى القرن الخامس عشر لزمن الرسام "ليوناردو دافنشي" حين قام برسم بعض التصاميم والنماذج للمركبات، منها نموذج (horseless) الأشبه بعربات الخيول.
كما أن تاريخ السيارة يعكس التطور الذي حدث في جميع أنحاء العالم، وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 100,000 براءة اختراع كانت للسيارات، كما أن هناك مزايا مشتركة بين السيارات الأولى، حيث كان هناك أنواع مختلفة، منها ما كانت تسير على البخار أو الكهرباء، وأخرى تسير على البنزين ومحركات الاحتراق الداخلي أو من خلال طرق أخرى.
لكن تجتمع الآراء لترجع هذا الاختراع إلى الألماني كارل بينز (Karl Friedrich Benz)، الذي صمم أول سيارة بين عامي 1885 و 1886، حاصلاً بذلك على براءة اختراع، كونه أول من استخدم محرك الاحتراق الداخلي بشكل رسمي بدون أي أعطال، وكانت السيارات التي صُممت من بعده تسير على نظامه الخاص في استعماله دواسة الوقود، شمعات الاحتراق، المبرد، والأساسيات الأخرى التي تصنع منها السيارات، والتي لا تزال السيارات في يومنا هذا تسير على خطاها هذه.
أهم مخترعي السيارات الأولى والمشاركين في تصميمها
- الألماني نيكولا جوزيف (Nicolas-Joseph)، عام 1769 صمم في فرنسا سيارة بثلاث عجلات، بقوة دفع ذاتي تعمل على البخار، هذه السيارة كانت مصممة للجيش الفرنسي، وتسير بسرعة 2.5 ميل في الساعة.
- الاسكتلندي روبرت انديرسون (Robert Anderson)، صمم في عام 1832 مركبة تعمل على الطاقة الكهربائية، من خلال محرك صغير يعمل على بطارية قابلة للشحن، إلا أن هذه المركبات كانت ثقيلة ومكلفة وتحتاج إلى إعادة شحن بشكل متكرر.
- الألماني كارل بينز (Karl Friedrich Benz)، صمم عام 1885 مركبة تعتبر السيارة الحقيقية الأولى، كانت تعمل على البنزين من خلال قوة الاحتراق الداخلي للمحرك، صُممت بثلاث عجلات، وكان المحرك والشاسيه بهيئة واحدة.
- الألماني غوتليب دايملر (Gottlieb Wilhelm Daimler)، صمم عام 1886 السيارة الأولى بأربع عجلات، والتي تعمل على البنزين مع محرك قوة شد رباعي.
- الأمريكي جورج سيلدن (George Baldwin Selden)، عام 1876 صمم سيارة تعمل على البنزين، تجمع بين ميزة الاحتراق الداخلي وقوة الجر والنقل، وسجلت براءة اختراع بذلك، إلا أنها لم تُصنّع أبداً.
- الأمريكي شارليس دوريا (Charles Edgar Duryea)، عام 1893 قام بتصميم سيارة تعمل بقوة الغاز، مع محرك قوة دفع ثنائي، ثم أنشأ الأخوين دوريا (The Duryea brothers) أول شركة أمريكية لتصنيع السيارات.
تاريخ صناعة المحرك الذي تستعمله السيارات اليوم
محرك الاحتراق الداخلي أكثر المحركات حيوية في السيارات القديمة والحديثة، كانت هذه المحركات تعمل من خلال احتراق الوقود في الداخل عند الضغط على دواسة الوقود، فتنتقل الطاقة إلى العجلات، ومر اختراع محرك الاحتراق الداخلي بالعديد من التطورات:
- 1680: كريستيان هويجينس (Christiaan Huygens)، المعروف بإسهاماته في مجال الفلك، صمم المحرك الذي قرر فيه استخدام البارود، إلا أنه لم يقم بتصنيعه.
- 1826: صموئيل براون (Samuel Brown)، قام بتصميم المحرك الذي يعمل على البنزين، إلا أن اختراعه لم يُعتمد على نطاق واسع.
- 1858: جين جوزيف لينوير (Jean Joseph-Etienne Lenoir)، حصل على براءة اختراع في التصميم ذو المفعول المزدوج مع المحرك الداخلي الاحتراق واستخدامه الفحم، وضع هذا المحرك على سيارة بثلاث عجلات وسار بها 50 ميل.
- 1873: المهندس الأمريكي جورج برايتون (George Brayton)، طور المحرك ليعمل على الكيروسين، اُعتبر آنذاك أكثر وسيلة آمنة لاستعمالها كزيت للمحرك.
- 1876: نيكولاس اوتو (Nikolaus August Otto)، حصل على براءة اختراع لمحرك بقوة شد رباعي صممه في ألمانيا.
- 1885: غوتليب دايملر (Gottlieb Daimler)، حصل على براءة اختراع لإنشائه النموذج الحديث من محركات الوقود.
- 1886: كان الاختراع الأكبر للسيارات مع كارل بنز (Karl Friedrich Benz)، حين اخترع السيارة مع محرك احتراق داخلي يعمل على البنزين.
المخترع الرسمي للسيارة كارل بنز (Karl Friedrich Benz)
يعتبر كارل بنز الألماني الجنسية المخترع الرسمي للسيارة، بينز حاصل على شهادة بكالوريوس في الهندسة الميكانيكية، كان عمله في البداية في مجال السكك الحديدية والصفائح المعدنية، فيما بعد استخدمت زوجته مهرها لتقوم بتمويله لإنشاء مصنع لمحركات الغاز، فقام بعد ذلك ببناء مركبة من نموذج (horseless) الأشبه بعربة الخيول، مستخدماً فيها لأول مرة محرك الاحتراق الداخلي الذي عمل على البنزين.
قام بينز ببناء ثلاث مركبات من هذا النوع حتى عام 1988، فقررت زوجته أن تقوم بالإعلان عن هذا الاختراع، حيث قادت السيارة مصطحبة معها طفليها البالغين إلى منزل والدتها، فسارت مسافة 66 ميل لتكون بذلك أول امرأة في العالم تقود السيارة هي بيرثا بينز. أظهرت هذه الزيارة كفاءة السيارات وقوتها بعد أن كان مشكوك بأمرها في البداية، ثم عُرضت السيارة في العام التالي بالمعرض العالمي في باريس.
توفي بينز عام 1929 بعد عامين من انضمامه إلى شركة لزميله صانع السيارات غوتليب دايملر (Gottlieb Daimler)، التي تُعرف اليوم باسم مجموعة دايملر (Daimler Group) الشركة المصنعة لسيارات مرسيدس بينز.
تطور السيارات عبر الزمن
السيارات البخارية
كانت هذه المركبات ذاتية الدفع، قادرة على نقل الناس والبضائع، وفي عام 1672 قام فيرديناند فيربيست (Ferdinand Verbiest) -عضو البعثة اليسوعية في الصين- ببناء سيارة تعمل على الطاقة البخارية، صممها كهدية للإمبراطور الصيني، كانت صغيرة جداً وتستطيع أن تحمل السائق فقط، في 1771 قام نيكولاس جوزيف كوكنت (Nicolas-Joseph Cugnot) بتصميم سيارة جديدة، لكن أُثبت فيما بعد بأنها سيارة غير عملية، فوُضع اختراعه في موطنه بفرنسا، وانتقل هذا الاختراع إلى بريطانيا على يد ويليام موردوش (William Murdoch) عام 1784، وفي عام 1801 قام ريتشارد تريفيثيك (Richard Trevithick) بتشغيل هذه السيارة على الطرق.
في القرن التاسع عشر أضيفت إليها بعض التحديثات مثل فرامل اليد وناقل الحركة، لكن في ذلك الوقت كان هناك رد فعل عنيف ضد السيارات، فتم إلغاؤها وانتقل العاملين فيها إلى العمل في السكك الحديدية، في عام 1815 أضاف جوزيف بوزيك (Josef Bozek) بعض التعديلات إلى السيارة لتصبح بأربعة مقاعد، أما في عام 1871 فقد تم تصميم أول سيارة تعمل على البخار قادرة على التنقل وحمل الأوزان من قبل الدكتور جي دبليو كارهارت (J.W. Carhart) الذي كان وزيراً للكنيسة الأسقفية في ولاية ويسكونسن الأمريكية، وحصل حينها على جائزة بقيمة 10,000$ لإنتاجه أول بديل عن الخيول والعربات، كانت تسير بسرعة 5 أميال في الساعة، ودخلت بعدها في سباق في الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أنها انهارت في وسط السباق.
مع بدايات القرن العشرين أضيفت بعض التعديلات على السيارات البخارية لتصبح أخف وزناً، لكن فيما بعد وُجد أن تصنيعها غير اقتصادي، فتوقف إنتاجها في ذات الفترة التي ظهرت فيها المركبات التي تعمل على البنزين.
السيارات الكهربائية
في عام 1828 قام آنيوس جيدليك (Ányos Jedlik) بإنشاء أول سيارة صغيرة تعمل من خلال محرك على الطاقة الكهربائية بمساعدة بطارية تشحن بشكل دوري، وفي 1835 طور سيبراندوس ستيرتينغ (Sibrandus Stratingh) سيارة صغيرة تعمل على الكهرباء من خلال بطارية قابلة لإعادة الشحن بشكل قوي، وحصل بذلك على براعة اختراع لاستخدامه خطوط من السكك الحديدية. تعتبر سيارة (Flocken Elektrowagen) التي اخترعها المصمم الألماني اندرياس فلوكين (Andreas Flocken) عام 1888 أول سيارة كهربائية حقيقية في العالم.
في القرنين التاسع عشر والعشرين كان للسيارات الكهربائية شعبية كبيرة، كونها سهلة التشغيل وتوفر مستوى كبير من الراحة للركاب، لكن سرعان ما تغير الأمر واُعتمد على السيارات التي تعمل على البنزين، ثم بدأت شركة "فورد" بإنتاج أعداد كبيرة من السيارات التي تعمل على البنزين، لكن فيما بعد وجدت مخاوف من عواقب البنزين على البيئة، ومع ارتفاع أسعار البنزين والتطورات التكنولوجية التي لحقت البطاريات؛ عاد الاهتمام مجدداً للسيارات الكهربائية.
السيارات التي تعمل على الوقود
فشلت المحاولات الأولى في استخدام محركات تعمل على الاحتراق الداخلي لعدم وجود وقود مناسبة خاصة السوائل، وفي عام 1806 قام المهندس السويسري فرانسوا دي ريفاس (François Isaac de Rivaz) ببناء محرك يعمل من خلال الاحتراق الداخلي للأوكسجين والهيدروجين المخلوط، بينما عام 1826 تأكد صموئيل براون (Samuel Brown) من عمل الهيدروجين في المحركات من خلال تركيبه على سيارة وقيادتها شرق لندن، لكن في عام 1870 استخدم سيجفريد ماركوس ((Siegfried Marcus محرك يعمل على الوقود السائل ليكون الرجل الأول الذي شغل السيارة من خلال محرك يعمل بالبنزين، هذه السيارة معروفة اليوم باسم سيارة "ماركوس الأولى"، وحصل في عام 1883 على براءة اختراع لسيارة ماركوس الألمانية مع نظام الإشعال ذو الجهد المنخفض، فيما بعد صمم سيارة "ماركوس الثانية" بتصميم مبتكر جداً، وهي معروضة الآن في المتحف الوطني في فيينا.
من المسلم بالأمر أن أول سيارة تعمل على محركات الاحتراق الداخلي للبنزين بشكل رسمي هي من اختراع كارل بينز الذي سبق التحدث عنه، وبعد فترة وجيزة من اختراع بينز للسيارة قام غوتليب دايملر (Gottlieb Daimler) وويهيلم مايباخ (Wilhelm Maybach) بإعادة تصميم السيارة بالكامل بدلاً من العربة، فاعتبر أول من صمم سيارة (automobile)، لكن الإيطالي انريكو برناردي (Enrico Bernardi) حصل على براءة اختراع لتصميمه محرك مناسب لسيارة بثلاث درجات، فاعتبره البعض بذلك أول من اخترع سيارة أيضاً، كما تم بناء واحدة من السيارات التي تعمل بالبنزين في بريطانيا في برمنغهام عام 1895 على يد فريديريك ويليام (Frederick William).
سيارات العصر الحديث
مع التطور في التكنولوجيا وتقنيات التصنيع والمعامل؛ تطورت عملية تصنيع السيارات، فتم تصميم العديد من المحركات الحديثة واستخدام الفرامل الهيدروليكية، فيما بعد تم اختراع ناقل الحركة الأوتوماتيكي، كما أضيفت بعدها تغييرات هائلة على السيارات باختراع محركات مبتكرة من الألمنيوم وذات قوة أكبر وعزم دوران أقوى، أصبحت شركات تصنيع السيارات حينها تنتج السيارات بأعداد كبيرة وتتنافس على إنتاج الأفضل وبأسعار أرخص من غيرها، لتصبح جميع السيارات بأربع عجلات، وبقوة تصل إلى 8 سلندر.
فيما بعد أضيفت إلى السيارات تكنولوجيا حديثة لتزداد سرعتها، وتزداد تقنياتها مع زيادة قدرتها على التحمل في الطرق الوعرة، أضيف إليها الأنظمة الكهربائية لضبط السرعة ودعم الفرامل والمحرك، واُستخدم الصلب والفولاذ في صناعتها، كما أضيف إليها المصابيح الأمامية لتصبح أكثر كلاسيكية.
بعد الحرب العالمية الثانية أصاب تصميم السيارات تغيير كبير لتضاف إليها المصدات في الجسم ولوحات التشغيل، فيما بعد أصبح التوجه في تصميم السيارة نحو التصميم العسكري مع إضافة محركات أقوى مثل محرك V8.
ارتفعت قوة السيارة والمحرك وزاد إنتاجها، وأصبحت شركات التصنيع تصدر السيارات إلى خارج البلاد أو خارج أوروبا، وأصبحت بذلك شركات تصنيع السيارات تتنافس فيما بينها مثل شركات فيراري، تويوتا ونيسان، لكن لفترة من الفترات في القرن العشرين أصبحت اليابان زعيمة الإنتاج العالمي للسيارات، واليوم أصبح هناك العديد من شركات تصنيع السيارات الأمريكية أو الألمانية أو اليابانية أو غيرها.
أخيراً.. قد يكون أمراً مهماً على البعض أن يعرف تاريخ السيارة التي يقودها، لكن البعض الآخر ربما لا يهمه الأمر، يكفيه أنه يصل إلى عمله بسهولة وبسرعة، لكن في الحالتين؛ يمكن القول أن لكل أمر بداية، لكن كلما زاد التفكير في بداية كل شيء، ازدادت حوله التأويلات وصُعب معرفة الحقيقة الكاملة.