هل حقا أصبحت الفورمولا 1 مملة؟
منذ عام 2014 و هو العام الذي تم فيه الاعتماد على المحركات الهجينة V6 والفورمولا 1 تتلقى وابل من الانتقادات. فقدت الرياضة رونقها, طينة الابطال فقدت على أرض الحلبة, قيادة السيارات الحالية أصبحت سهلة جدا وما إلى ذلك.
لكي نكون صريحين فإن انتقادات غياب الإثارة في قمة رياضة المحركات تعود إلى بداية الألفية. مايكل شوماخر يفوز بخمس ألقاب متتالية أغلبها بسيطرة شبه مطلقة دون وجود أي منافس حقيقي. ومن ثم سيباستيان فيتيل يفوز بأربعة ألقاب متتالية على متن سيارة أقل ما يقال عنها بأنها جعلت الآخرين يلهثون وراءها بلا هوادة.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
ولكن خروج الجني من القمقم تم فعليا في عام 2014: سباقات مملة, صوت سيارات مقيت, غياب اثارة, انعدام روح التسابق, القيادة أصبحت أشبه بلعبة الكترونية .... الخ.
ولكن بعد سباقي بريطانيا والمجر الاسطورين من هذا العام الذين سيدخلان حتما في التاريخ من أوسع أبوابه علينا أن نتساءل: هل بالفعل اختفى رونق الفورمولا واحد وأصبحت مملة؟ أم هل هناك عوامل أخرى تساهم في ايصال هذه الصورة وخصوصا بعد سباقات مثل سباق البحرين في الموسم الماضي الذي شهد واحدة من إحدى أعظم المنافسات على أرض الحلبة.
نحن لسنا بصدد القول بأن الفورمولا 1 ليست بحاجة للتغيير. أبدا! هناك العديد من الجوانب التي بحاجة للتغيير والإصلاح. و اجماع المجموعة الاستراتيجية للفورمولا وان على إحداث تغييرات جذرية للرياضة ابتداءا من موسم 2017 ماهو إلا دليل على إن جميع المعنيين بدأوا يدركون بأن الأمور بحاجة لتغيير وهذا شيء ممتاز.
دعونا نعود بالذاكرة إلى موسم 1988 الذي يعتبر أسطوريا بنظرة كثيرين: أيرتون سينا والان بروست هيمنا بشكل مطلق على الموسم فائزين ب15 سباق من أصل 16 مع سيارة Mclaren MP4/4 . سينا السائق الشاب آنذاك يقارع بروست الخبير. يجب أن نأخذ بعين الاعتبار بأن كل هذا حصل قبل اشتعال شرارة التنافس بين الاثنين وأحداث عامي 1989 و 1990 الشهيرة والاصطدام المتكرر بين الزميلين.
سيبدو منطقيا في تلك الحقبة إن كنت مشجعا لفيراري مثلا أن تقول بأن الفورمولا واحد مملة و التنافس غير موجود وما إلى ذلك. حسنا فلنأخذ مثال موسم 1992 : نايجل مانسيل يفوز ب9 سباق من أصل 16 فإذا كنت متابعا في ذلك العام فلربما ستقول بأن الفورمولا فقدت رونقها وبالفعل فإن هذا الموسم بالذات تلقى الكثير من الانتقادات بسبب القفزة التقنية لسيارة ويليامز الخاصة بمانسيل حيث أعرب العديد من المتابعين استياءهم بأن السيارة أضحت تلعب دورا كبيرا في تحقيق الفوز و ماعلى السائق إلا التحكم شكليا بالسيارة.
فلتعد إلى الموسم الماضي: لويس هاملتون ونيكو روزبرغ سائقا المرسيدس تنافسا حتى الرمق الاخير ليتوج لويس فيما بعد باللقب. سيارة مسيطرة و فرق تاريخية كفيراري و ويليامز تتخبط. و إذا استمعت إلى بعض من المنتقدين فإنك لتظن بأن الفورمولا 1 تسير نحو الهاوية فما الفرق بين هذا الموسم والمواسم الماضية في حقبة الثمانينات والتسعينات.
ربما الجواب هو لم يكن لدى المشجعين وسائل تواصل اجتماعي! نحن نعيش الآن في عصر حيث كل منا يملك الامكانية بأن يكون صحفيا وينشر رأيه بكبسة زر. يستطيع كل منا أن يبدي استاءه أو إعجابه بأي بطولة أو حدث أو حتى منتج ما.
في الماضي كان متابعو الفورمولا 1 وباقي الرياضات بشكل عام عبارة عن مشجعين غير متفاعلين أي أن صوتهم لم يكن ليصل إلى القيمين على الرياضة أو الرأي العام. وكان الصوت الوحيد لايصال صوت المشجع هو المعلقين على الشبكات التلفزيونية أو الصجفيين المختصين و عادة هؤلاء يرون الرياضة بشكل مختلف إما لسبب تجاري مثل القنوات التلفزيونية أو لأن الصحفي يملك رؤية أوسع من البقية عارفا بخفايا الأمور. و بشكل عام فإن الصحفي بحكم مهنته يمتلك القدرة على التحليل والاستيعاب و يقفد بالتدريج حس المشجع العادي الذي يهمه الاستمتاع بالدرجة الأولى.
في عصرنا الحالي عصر التويتر والفيسبوك. يمتلك المشجع وللمرة الأولى في التاريخ قوة مؤثرة لا يستهان بها و إذا نظرنا لسلوك البشر في الفضاء الافتراضي بشكل عام بعيد عن الفورمولا 1 أو الرياضات الأخرى فإننا نلاحظ بان الشعور السلبي تجاه خدمة أو منتج ما تقفوق بكثير الشعور الايجابي. فإذا اشتريت منتج أو خدمة ما وكنت مسرورا بها فإنك لن تكتب عنها في الانترنت ولن تملأ الدنيا سعادة بل ستكون راضيا عن هذا القرار بشكل ضمني ولكن إذا كان المنتج سيئا ولم يعجبك فعندها ستكون ممتعضا و تخبر الناس أجمعين عن سوء المنتج او الخدمة التي تلقيتها.
هذا بالذات يمكن أن يكون سبب رئيسي في تعالي الأصوات المطالبة بإصلاح الفورمولا 1 وهو طلب محق جدا و لكن لربما تكون طريقة الانتقاد قاسية بعض الشيء. وللصراحة فإننا نرى المنتقدين يتناسون الاثارة التي تحصل على أرض الحلبة ويركزون على جوانب أخرى مثل صوت المحركات أو شكل السيارت أو تعقيد القوانين.
ولكن بالوقت نفسه يتواجد الكثير من المشجعين الذين يرون الشق اليجابي في التغييرات التي طالت الرياضة مؤخرا ولكن هؤلاء لم يصلوا صوتهم لأنهم ببساطة راضون.
ضف على ذلك اتنقادات بعض السائقين أنفسهم للتكنولوجيا الجديدة ومن يلومهم؟ فإذا كنت فيرناندو ألونزو ووجدت نفسك تقود سيارة غير قادرة حتى على تحقيق النقاط فإنك ستبدأ بلوم التكنولوجيا بشكل عام وها هو سيباستيان فيتيل بدأ بالشعور بالرضا والسعادة من الجيل الحالي للسيارات بعد اتنقاله لفيراري لانه ببساطة يفوز وهذا هو دافع السائقين أجمعهم.
في النهاية علينا التريث في موضوع الحكم على إثارة الفورمولا 1 ويجب علينا ألا ننسى بأن التكنولوجيا الهجينة للمحركات مازالت في طور الطفولة وهي قابلة للتطوير بشكل كبير في المستقبل. يجب علينا ربما أيضا أن ننظر من زاوية مختلفة فجميعنا يعلم بأن الفورمولا واحد هي رياضة الاختراع. رياضة تسمح للابداع والعلم بأن يذهبا إلى أقصى الحدود فالتغيير والتطوير سمة هذه الرياضة والأخطاء واردة ومن يعلم؟ لربما بعد عشرين عاما سيأتي جيل منتقدين جديد و يترحم على الأيام العظيمة لهاملتون و مرسيدس.